الانطباع الأول- سلاح ذو حدين في عالم العلاقات والقرارات

المؤلف: سامي الدجوي11.19.2025
الانطباع الأول- سلاح ذو حدين في عالم العلاقات والقرارات

المقولة السائدة تؤكد على أن الانطباع الأول غالباً ما يكون الانطباع الأخير، وهذه الفكرة تعكسها عبارة أخرى مشهورة: "لا تحصل على فرصة ثانية لترك انطباع أول". هاتان العبارتان تسلطان الضوء بشدة على الأهمية الحاسمة للانطباع الذي نتركه لدى الآخرين، مع التأكيد أيضاً على الانطباع الذي نكوّنه نحن عنهم. تشير الدراسات العلمية إلى أن العقل البشري لديه القدرة المدهشة على تكوين فكرة سريعة عن شخص ما في غضون جزء صغير من الثانية، تحديداً عُشر الثانية، منذ لحظة التعارف الأولى. ولكن، ما هي الجوانب المشرقة والإيجابيات الكامنة في هذه الظاهرة؟

تتعدد المزايا والفوائد التي تنطوي عليها عملية تكوين الانطباع الأول، ومن أبرزها: 1. سرعة اتخاذ القرارات الحاسمة: في بعض الأحيان، تتطلب منا الظروف اتخاذ قرارات فورية وسريعة لتقييم الأشخاص بناءً على الانطباع الأولي الذي نكوّنه عنهم. على سبيل المثال، رجال الأمن غالباً ما يحتاجون إلى تقييم سريع لشخص ما لتحديد ما إذا كان يشكل خطراً أو تهديداً محتملاً. في مثل هذه الحالات، يصبح عنصر السرعة في تشكيل الانطباع الأول واتخاذ القرار أمراً بالغ الأهمية لضمان سلامة وأمن المجتمع والأفراد. 2. توفير الوقت والجهد الثمين: إن القدرة على تكوين انطباع أولي سريع وفعّال تساهم بشكل كبير في ترشيد استهلاك الوقت والجهد في عملية تقييم الآخرين. فبدلاً من استثمار وقت طويل وموارد كبيرة في تقييم شخص ما بدقة متناهية في جميع جوانب شخصيته، يمكن للانطباع الأول أن يكون كافياً لتحديد ما إذا كان الأمر يستحق تخصيص المزيد من الوقت والجهد للتعرف على هذا الشخص بشكل أعمق. على سبيل المثال، في سياق المقابلات الشخصية للوظائف، قد يجد مديرو التوظيف أنفسهم مضطرين لاتخاذ قرارات سريعة بناءً على الانطباع الأولي، خاصة عندما يواجهون عدداً هائلاً من المتقدمين مع ضيق الوقت المتاح. في هذا السياق، فإن التأخير في اتخاذ القرارات وعدم الكفاءة في استغلال الوقت والجهد في تقييم المتقدمين يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية غير مرغوب فيها. لذلك، في مثل هذه الحالات، يصبح الاعتماد على الانطباع الأول في تقييم الآخرين أمراً ضرورياً، بغض النظر عن دقته المطلقة.

ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن بعض الأشخاص يميلون إلى إصدار الأحكام على الآخرين استنادًا إلى الانطباع الأول فقط في جميع المواقف والظروف، وتكمن المشكلة الأخرى في أن هذا الحكم الأولي غالباً ما يترسخ في الأذهان لفترة طويلة ويصعب تغييره أو تعديله. هنا يقع هؤلاء الأشخاص في فخٍّ يعرفه علماء الإدارة وخبراء السلوك التنظيمي بـ "انحياز الانطباع الأول" (First Impression Bias)، وهو نوع شائع من أنواع التحيز الإدراكي. لتبسيط الفكرة، دعونا نتخيل مثالاً من واقع الحياة العملية: لنفترض أنك ذهبت إلى مقابلة عمل وأنت تشعر بالكثير من التوتر والقلق. قد يترك هذا التوتر انطباعًا سلبيًا عنك لدى المدير المسؤول، حيث قد يعتقد أنك أقل كفاءة وجدارة وثقة بالنفس. ومع ذلك، يتم تعيينك في الوظيفة نظرًا لامتلاكك مؤهلات علمية عالية المستوى وخبرات عملية متنوعة ومهارات وظيفية مطلوبة. فما هو رد فعلك المتوقع من المدير في الفترة الأولى من عملك؟ غالبًا ما يكون الجواب هو أن المدير سيتعامل معك بناءً على الانطباع الأول الذي تكوّن لديه عنك أثناء المقابلة الشخصية. للأسف، قد يستمر هذا الانطباع السلبي في ذهن المدير لفترة طويلة. ولكن مع مرور الوقت واستمرارك في التفاعل الإيجابي في العمل، قد يأتي يوم يشيد فيه المدير بأدائك ويقول أنك "تحسنت!" عما كنت عليه في بداية توظيفك، على الرغم من أنك لم تبذل أي جهد إضافي لتغيير هذا الانطباع.

باختصار، يمكن القول إن الانطباع الأول يمثل أداة ذات حدين في عالم التواصل الشخصي والمهني، وهو قوة مؤثرة في تشكيل قراراتنا وعلاقاتنا. فالعقل البشري يمتلك سرعة فائقة في تكوين الآراء تجاه الآخرين من خلال الانطباع الأول منذ لحظة اللقاء الأولى. وبينما يوفر هذا الانطباع ميزة السرعة في اتخاذ القرارات في المواقف الحرجة، وفائدة التوفير في الوقت والجهد في الأوقات العصيبة، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر الأحكام المتسرعة والصور النمطية والتحيزات المجحفة. يحدث ذلك على وجه الخصوص إذا تم استخدام هذه الطريقة في جميع الأحوال والظروف، وإذا ترسخ هذا الانطباع الخاطئ في عقول الآخرين لفترة طويلة. في الختام، دعونا نتذكر دائمًا أن الانطباعات الأولى قد تكون مجرد بداية القصة، ولكن أفعالنا وإنجازاتنا هي التي تكتب الفصول اللاحقة. فلنسعَ جاهدين لبناء مجتمع يقدر الأفراد على أساس جوهرهم الحقيقي وإسهاماتهم الملموسة، وليس بناءً على مجرد لحظات عابرة، لنحقق بذلك رؤية وطننا الطموحة 2030 نحو التميز والازدهار المستدام.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة